خطبة الجمعة – صور من رحمة النبي بالخلق أجمعين

صور من رحمة النبي بالخلق أجمعين

لفضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

12 ربيع الآخر 1445 هـ – 27 أكتوبر 2023 م

————————————————————————

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الخلق مدبر الأمر، له الفضل الكبير، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشرَ المسلمين: الرحمة صفةٌ إلهية، نعَتَ الله بها نفسَه في مواضعَ من كتابه، فهو سبحانه رحمن رءوف، غفور رحيم؛ بل أرحم الراحمين، وأخبر سبحانه عن نفسه بأنه واسع الرحمة، وأن رحمته وسعتْ كل شيء، وأنه خير الراحمين، وبالناس رءوف رحيم.

وأعظم رحمة حظيتْ بها البشريةُ من ربِّها: إرسالُ نبي الرحمة والهدى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، يقول سبحانه مبيناً هذه النعمة، وممتنّاً على عباده بها: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) فما من مخلوقٍ على هذه الأرض إلا وقد نال حظًّاً من هذه الرحمة المهداة… نالها المؤمن بهداية الله له، وأُعطِيها غير المسلم بتأخير العذاب عنه في الدنيا، وحصَّلها المنافق بالأمن من العقاب، وجريان أحكام الإسلام في الدنيا عليه؛ فجميع الخلق قد هنئوا وسعدوا برسالته صلى الله عليه وسلم. وإذا كانت بعثته صلى الله عليه وسلم ما هي إلا رحمة، فكيف كانت رحمةُ مَن هو في أصله رحمة؟ لقد تمثَّل نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم الرحمةَ في أكمل صُوَرها، وأعظم معانيها، ومظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم قد حفلتْ بها سِيرتُه، وامتلأت بها شريعتُه… فرحِم الصغيرَ والكبير، والقريب والبعيد، والعدو والصديق؛ بل شملت رحمته الحيوانَ والجماد، وما من سبيلٍ يوصل إلى رحمة الله، إلا جلاَّه لأمَّته، وحضَّهم على سلوكه، وما من طريق يبعد عن رحمة الله، إلا زجرهم عنها، وحذَّرهم منها؛ كل ذلك رحمةً بهم وشفقة عليهم. وأسعد من حظي برحمته صلى الله عليه وسلم هم آل بيته وصحابته رضي الله عنهم، فامتلأ قلبُه صلى الله عليه وسلم رحمةً بهم، وعطفاً عليهم، ولطفاً بهم، حتى شهد له ربه بقوله: (بِالْمُؤْمِنِينَ رءوفٌ رَحِيمٌ)، وبقوله: (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ).

أيها المؤمنون: وأمَّته صلى الله عليه وسلم لم يَنسهم نبيُّ الرحمة من العطف والشفقة والرأفة، فقد كان همُّه صلى الله عليه وسلم أمته: وكان يردد كثيراً في دعائه (اللهم أمتي أمتي)، وبكى عليه الصلاة والسلام يوماً فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد -وربُّك أعلم- فسلْه: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، خوفه عليهم من العذاب، فقال الله عز وجل: (يا جبريل اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنُرضيك في أمَّتك ولا نسوؤك). بل إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد جعل دعوتَه المستجابةَ لأمَّته ولأجل أمته؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (لكل نبيٍّ دعوةٌ مستجابة، فتعجَّل كلُّ نبي دعوتَه، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً).. ومن رحمته عليه الصلاة والسلام بأمته أنه كان يترك أحياناً بعض السنن والمستحبات والأعمال الصالحات، وقلبُه معلَّقٌ بها، ما يتركها إلا خشيةَ أن تُفرَض على أمته، فلا يطيقونها، تقول أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها الخبيرةُ بأموره: (إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيدعُ العمل وهو يحب أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس، فيُفرض عليهم)

أيها الأخوة والأخوات في الله: كانت الصلاة منتهى راحة النبي صلى الله عليه وسلم وغاية أُنسه، جُعلت قرَّة عينه في الصلاة، ومستراح قلبه ونفسه حينما يقف فيها بين يدي ربه، كان يحب إطالتَها، وكثرة المناجاة فيها، كان عليه الصلاة والسلام يدخل الصلاة وهو يريد إطالتها، فيسمع بكاء الصبي، فيتجوَّز في صلاته؛ رحمةً ورأفة بأمِّه؛ لما يعلم من شدة وجْدها عليه… كان عليه الصلاة والسلام يرحم أحوال البائسين، ويرأف بغربة المغتربين، ويكسوهم من الرفق والعطف ما لا يكسوه لغيرهم، يقول مالك بن الحُوَيرث رضي الله عنه: (أتينا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، (أي شباب صغار متقاربون في السن أقاموا عنده ليعلمهم الدين) فأقمنا عنده عشرين ليلة، حتى إذا ظنَّ أننا قد اشتقنا إلى أهلنا، سألنا عمَّن تركْنا من أهلنا، وكان رفيقاً رحيماً بنا، فقال لنا: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومروهم)... عباد الله: أمَّا رأفته وتلطُّفه صلى الله عليه وسلم مع الصغار والأولاد، فقد ضرب أروع الأمثلة لِمَن بعده، وما عرَفتِ البشرية أحداً أرأف بهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال عنه خادمُه، والخبير بمدخله ومخرجه، أنسُ بن مالك رضي الله عنه: (ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم). يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيرى ابنه إبراهيمَ في سكرات الموت، وقد نازعته روحه، فجعلتْ عيناه تذرفان بالدموع، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه متعجباً: (وأنت يا رسول الله؟! يعني: تبكي، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا ابن عوف، إنها رحمة)، ثم أتبع دمعاته تلك بأخرى، وقال: (إن العين لَتدمعُ، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربَّنا، وإنا لفراقك يا إبراهيمُ لمحزونون)… كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقبِّل الأطفال ويحملهم، ويلاعبهم ويُواسِيهم، ويمسح على رؤوسهم، رآه رجل يقبِّل الحسنَ بن علي رضي الله عنهما، فقال في جفاء: (إن لي عشرة من الولد، ما قبَّلتُ واحداً منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه مَن لا يَرحم لا يُرحم)… وجاءت أم قيس بنت محصن بابنٍ لها صغير، لم يأكل الطعام، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أجلسه في حجره، فبال الصبيُّ على ثوبه صلى الله عليه وسلم، فلم يتذمر ولم يثرِّب؛ بل دعا بماء فنضحه على ثوبه، ولم يغسلْه… رأى محمودَ بنَ الربيع وهو ابن خمس سنين، فجعل يمازحه ويمج الماء عليه، وأحد أطفال الصحابة لما مات طائرُه الذي يلاعبه، جعل النبي صلى الله عليه وسلم يُمازِحه ويواسيه، ويقول: (يا أبا عمير، ما فعل النغير؟)…بل إن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال لم تفارقه حتى وهو في عبادته، صلَّى مرة بأصحابه وهو حاملٌ أمامةَ أبنة أبنته زينب رضي الله عنها فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها… صلى بأصحابه يوماً، فلما سجد، جاء الحسن أو الحسين فامتطى ظهره، فأطال السجود جدًّاً، حتى إن أحد الصحابة رفع رأسه من السجود؛ قلقًاً على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، سأله الناس عن هذه السجدة الطويلة، فقال: (إن ابني هذا إرتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)..عباد الله: كان عليه الصلاة والسلام ينكسر قلبه على اليتامى والأرامل والضعفة والمساكين، وكان دائماً ما يُوصِي بهم، وبالعناية بشؤونهم، فقال: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى). وقال أيضاً: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله)، يقول سهل بن حنيف رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويَعُود مرضاهم، ويشهد جنائزهم).

أيها الأخوة والأخوات في الله: أما رحمته ورأفته بالنساء عليه الصلاة والسلام، فله معهن شأن وأي شأن، فأوصى أمَّته بالإحسان إليهن، فقال: (استوصوا بالنساء خيراً)، وحرَّج على المسلمين حقهن، فقال: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة). وكان يستمع لشكاوى النساء ويقضي حاجاتهن، وخصص لهن يوماً لأسئلتهن وحوائجهن؛ بل أبعدُ من ذلك أنَّ الأمَة من إماء أهل المدينة كانت تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءتْ… أمَّا مع أهله صلى الله عليه وسلم، فكان عطوفاً عليهم، خدوماً لهم، كان يكفي أهلَه بعضَ العمل، فكان يحلب الشاة، ويخيط الثوب، ويخصف النعل، ويخدم نفسه، وكان يقول: (خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)… إخوة الإيمان: هذه الرحمة المهداة شمِلتْ حتى العُصَاةَ والمقصرين ومَن وقعوا في الكبائر، كان يعالج أخطاء المذنبين بألين كلمة، وأرأف عبارة، ويسديهم من النصائح التي ملؤها الرحمةُ والشفقة، يغضُّ الطرف عن زلاَّت المخطئين وهفواتهم، حريصاً على الستر عليهم.. يأتي إليه ماعز بن مالك الأسلمي، فيعترف له بالزنا، فيقول له: (لعلك قبَّلتَ، أو غمزت، أو نظرت)، وتأتي إليه امرأة فتقرّ له بالزنا، فيُعرض عنها كأن لم يسمع كلامها. وقال لأصحابه يوماً: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمَن ألمَّ بشيء منها، فليستتر بستر الله عز وجل، وليتبْ إلى الله تعالى، فإنه مَن يُبدِ لنا صفحته نُقِم عليه كتاب الله تعالى)

عباد الله: وتعدتْ رحمة النبي صلى الله عليه وسلم لبني آدم حتى شملتِ البهائمَ والجمادات، فكان لها حظٌّ من هذه الرحمة الربانية، فمن رحمته صلى الله عليه وسلم بالبهائم: أنه نهى عن تصبيرها؛ وهو أن تحبس وتجعل هدفاً للرمي حتى تموت؛ إذ فيه تعذيب لها… وأمَرَ بالإحسان إليها حتى في حال ذبحها، وقال له رجل: يا رسول الله، إني لأرحم الشاة أن أذبحها، فقال: (والشاة إن رحمتَها، رحمك الله) ومرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه من الجوع، فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة). وقال: عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حتَّى ماتَتْ، فَدَخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطْعَمَتْها ولا سَقَتْها، إذْ حَبَسَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْضِ.

اللَّهمَّ رحمتَك نرجو فلا تكِلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلِحْ لنا شأننا كلَّه، لا إله إلا أنت.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، نحمده سبحانه ونشكره على طيب الحياة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالألوهية والربوبية في علاه، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فيا أيها المسلمون: هذه الرحمة العالية التي أتصف بها نبينا صلى الله عليه وسلم قد وسعتِ غير المسلم على كفره وعناده، يُضرَب أكرمُ الخلق عند الله، ويُبصَق في وجهه، ويُرمَى سلا الجزور على ظهره وهو ساجد، ويُخنَق بثوب حتى ضاقتْ بذلك نفسه، ويُضرَب أصحابه، ويهانون أمام ناظريه، فيعرض عليه ربُّه إهلاكَهم، فيقول في رحمة ورأفة وشفقة: (بل أرجو أن يُخرِج الله من بين أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك معه أحداً).

وها هو رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم عامَ فتح مكة يُقابِل أعداءه الذين طردوه وحارَبوه واتهموه في عقله، يُقابِلهم بالرحمة العظيمة التي مُلِئ بها قلبه، فيقول: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، وسمَّى ذلك اليوم بيوم المرحمة… بل إن صاحب هذا القلب الرحيم، والنفس المشفقة كان يستوصي بالمشركين خيراً إذا وقعوا أُسارى بيد المسلمين، ها هو أبو عزيز بن عمير -أخو مصعب بن عمير- يحدثنا عمَّا رآه، فيقول: (كنت في الأسرى يوم بدرٍ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (استوصوا بالأسارى خيراً)، ويقول: (وَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ، لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِنَا) وحينما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسرى بني قريظة موقوفين في قيظ النهار تحت الشمس، قال: لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السّلاَحِ، وَقَيِّلُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُوا)… وكانت أخلاقه صلى الله عليه وسلم في الحرب مع أعدائه الذين أذاقوه ويلات الظلم والحيف والبطش، إلاّ أنه كان يعاملهم بعكس معاملاتهم له. فكان يوصي أصحابه رضي الله عنهم الذين خرجوا لرد العدوان، ويقول لهم: لا تغُلُّوا، ولا تغْدِرُوا، ‏ولا‏ ‏تُمثِّلُوا، ‏ولا تقْتُلُوا ولِيداً، ولا صبياً، ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً، ولا مريضاً، ولا تقتلوا راهباً منعزلاً في صومعته ولا تهدموا معبداً ولا بناء، ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا للأكل. فهذا عهْدُ اللهِ وسِيرةُ نبِيِّهِ فِيكُمْ)

أيها المؤمنون: ومع هذه الرحمة العظيمة، والرأفة المتناهية التي تحلى بها المصطفى صلى الله عليه وسلم، إلا أنه كان يضع هذه الرحمة في موضعها اللائق بها؛ لئلا تتحوَّل تلكم الرحمة إلى عجز وضعف وخور وجبن؛ فمع لينِه ولطفه، كان يعاتب بقسوةٍ أصحابَه على بعض الأخطاء ليربيهم، وقاتلتْ هذه الرحمةُ من استحق القتال من أعداء الإسلام والمسلمين، ولم تأخُذْه رأفةٌ في دين الله، فحاسب وعاقب وأدب، وأقام شرع الله عز وجل ونفذ حدوده، دون أن تأخذه في الله لومة لائم. فلسنا ممن يختصر الإسلام بدين التسامح والرحمة والرأفة فقط، ولا ممن شوهوا الإسلام أو إنسانية الإنسان بالهمجية والإفساد والقتل وسفك الدماء، ونسوا أو تناسوا معالم الرحمة والإنسانية فيه، فدينُنا دينُ سلام ورحمة وإنسانية ومحبة، ولكنه أيضاً دين جهاد في سبيل الله وذبٍّ عن الدين والعرض، والمال والأرض والوطن ودين إقامة حدود، لينقطع بذلك دابر المجرمين وتنحسر جرائم المفسدين.

عباد الله: لقد كانت حياة نبي الهدى صلى لله عليه وسلم رحمة بالبشرية جميعاً، فكانت تلك الرحمة ماثِلَةً في حياته كلها؛ في وقت الضعف والقوَّة، وإبان المنشط والمكره، ولجميع فئات الناس، فكان بذلك رحمة من الرحمن يرحم الله بها عباده، وصدق الله العظيم حيث قال:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) هذا هو ديننا وهذه هي سيرة نبينا وأخلاقنا التي تربت عليها الأمة والأجيال المسلمة.

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، أفضل ما صليت على أحد من خلقك، وأجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، اللهم زكنا بالصلاة عليه، واحشرنا في زمرته، وأوردنا حوضه برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أجمع بيننا وبين نبينا محمد كما آمنا به ولم نره، ولا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، وتوردنا حوضه، وتجعلنا من رفقائه من المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعدائك أعداء الدين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ، وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ..

اللهم كن للمستضعفين والمظلومين والمعذبين في كل مكان، كن ناصراً ومؤيداً وظهيراً.

 اللهم كن لأهلنا في غزة وفلسطين، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وارفع درجتهم وأخلفهم في أهليهم، وارحم أطفالهم وشيوخهم ونسائهم، واكتبهم من الشهداء عندك، اللهم أزل عنهم العناء، واكشف عنهم الضر والبلاء، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، اللهم ورد عنهم كيد الكائدين، وعدوان المعتدين يا رب العالمين.

اللهم إنا نستودعك أهلنا المستضعفين في فلسطين وفي الأقصى وفي كل مكان، اللهم أنج المستضعفين والأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ من المجازر والقنابل والمحارق اللهم أحقن دمائهم، والطف بحالهم، واجبر كسرهم، واشف مرضاهم وتقبل شهدائهم، واحفظهم بحفظك من كل سوء ومكروه ولا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم.

 اللهم أحفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك، واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا وشهدائنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

 (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)